لمبات أديسون.. اختراع مذهل وتراث مزعج…

قبل 130 عاما تماما ( عام 1879) توصل توماس أديسون إلى اختراع اللمبة أو المصباح الكهربائي. كان هذا الانجاز في حينه حلما تحقق . حلما طالما راود البشر: بلمسة إصبع تحصل على النور ، وبلمسة أخرى تطفئه . انتشر استخدام لمبة أديسون ذات السلك المتوهج في كل مكان وفي كل مجال ، في البيوت والمكاتب والشوارع وفي الدول الغنية والفقيرة على السواء .
لكن هذه اللمبة تعاني من عيب خطير ومتأصل فيها. فهي ذات فعالية متردية ومنخفضة للغاية وتساوي 5% . أي أن خمسة بالمائة فقط من الطاقة الكهربائية التي تستهلكها تتحول إلى ضوء والباقي… يضيع على شكل حرارة غير مرغوبة بل حتى مزعجة غالبا في بلاد حارة كبلادنا. وقد يكلفك ذلك إنفاق كلفة طاقة إضافية لتشغيل أجهزة تكييف من أجل التخلص من هذه الحرارة الفضولية الزائدة.
(تخيل أنك مقابل كل 100 دينار تملكها، يسمح لك بشراء سلع بخمسة دنانير فقط، وعليك أن تحرق أو تتلف ال 95 ديناراً الباقية).
وفي الواقع فإنك قد لا تحصل حتى على كفاءة 5% من هذه اللمبات. فغرف الاستقبال أو الضيوف في بيوتنا، وقاعات الفنادق والقصور …. الخ، تستخدم ثريات أو نجفات أو أغطية مزخرفة تعيق وصول جزء كبير من إضاءة هذه اللمبات، مما قد يجعل كفاءتها تتدنى حتى 1% (إذا كنت تقرأ أنت أو أطفالك في غرفة مضاءة بهذه اللمبات فإنك تخاطر بخسارة نظرك ونظرهم بسبب ضعف الإضاءة). ولا ننسى أن عمر هذه اللمبات قصير نسبياً: فهي تحترق وتتلف خلال أقل من سنة من استخدامها (بمعدل 5 ساعات يومياً). لا شك إذن أن استمرارنا في استخدام لمبات أديسون هذه لا يعبر عن ذكاء. قد يكون سبب ذلك أن هذه اللمبات تمثل جزءاً من تراث فتحنا أعيننا عليه. أو أن هناك مصانع عريقة منتجة لها، وتجار يستوردونها ويبيعونها ويهمهم استمرار سوق هذه السلعة التي تتلف بسرعة مما يجعلها سلعة رائجة بالنسبة لهم (وليس بالنسبة للمستهلك).

بدائل رائعة متوفرة
لعل أكثر ما يثير العجب في استمرار شيوع استخدام هذه الوسيلة القديمة البائدة للإنارة، أن هناك وسائل إنارة متوفرة أكفأ منها بكثير. فهي أفضل إضاءة وأقل استهلاكاً للكهرباء وأطول عمراً، وبفارق سعر بسيط ومجد اقتصادياً للمستهلك.
يعتمد مبدأ عمل اللمبة المتوهجة التي ابتكرها أديسون على تسخين سلك رفيع من معدن التنغستن (سمكه نحو025,0 مم) إلى درجة 2400 س عندما يمر فيه تيار كهربائي. ويوضع هذا السلك في وعاء زجاجي مملوء بغاز خامل لا يتفاعل مع مادة السلك. ومعدل عمر المصباح المتوهج نحو (1000) ألف ساعة إضاءة.
تمثل لمبة النيون أو المصباح الفلوري بديلاً اقتصادياً مناسباً عن المصباح المتوهج، وهي عادة على شكل أنبوب طويل مستقيم أو منحن أو بأية أشكال نرغبها.
تحتوي لمبة النيون على غاز خامل مثل النيون، ويكون مفرغاً أو مخلخلاً لدرجة كبيرة. وتحصل الإضاءة بواسطة التفريغ الكهربائي عندما تقفز الشحنات أو الالكترونات بين قطبين كهربائيين عبر هذا الغاز (ترفق اللمبة بباديء أو ستارتر، كما تحتوي اللمبة على مواد أخرى مثل قطرة زئبق ومركبات كيماوية لا تهمنا تفاصيلها هنا).
تبلغ كفاءة لمبة النيون نحو 20% (أي أربعة أمثال كفاءة اللمبة المتوهجة، أي أن لمبة نيون قدرتها 20 واط تعطي نوراً يكافيء نور لمبة متوهجة قدرتها 100 واط)، كما أن فترة حياتها نحو 2024 ساعة استخدام)، أي ضعفي حياة اللمبة المتوهجة.
لكن أحدث وأفضل اللمبات بلا شك هي اللمبة الفلورية المدمجة، أي الصغيرة الحجم.
Compact Fluorescent Light bulb ويرمز لهل بالحروف CFL وتشيع لدينا تسميتها بلمبات توفير الطاقة.
حدثت ثورة لمبات توفير الطاقة في بداية تسعينات القرن الماضي. فطرحت حينها في الأسواق وبيعت بكميات كبيرة، في الدول الغربية بشكل خاص.
لكنها عانت في بدايتها من سلبيات أعاقت انتشارها: كان حجمها كبيراً نسبياً وثمنها مرتفعاً (نحو 25 دولاراً في السوق الأمريكية مثلاً) كما اختلفت إضاءتها عما تعود عليه الناس.
لكن هذه اللمبات شهدت تطويراً كبيراً خلال السنوات العشرين الماضية، ولا شك أنها ستحل محل اللمبات المتوهجة التقليدية آجلاً أو عاجلاً. فهي أكفأ منها بخمسة أو ستة أضعاف (لمبة توفير طاقة قدرتها 23 واط تعادل لمبة متوهجة قدرتها 125 واط). كما أن فترة حياتها تصل إلى 8000 ساعة من الإضاءة مقابل 1000 فقط للمبة التقليدية.
وأصبحت لمبات توفير طاقة الحديثة صغيرة الحجم وأرخص بكثير مما كانت عليه في البداية ( نحو 5,2 ديناراً في أسواقنا، وثلثا هذا المبلغ في أسواق المؤسستين المدنية والعسكرية)، مقابل نحو نصف دينار للمبة التقليدية. وحسب مجلة الميكانيكا الشعبية Popular Mechanics الأمريكية، فإننا إذا اعتبرنا أن المنزل الأمريكي المتوسط يحتوي على 45 لمبة، معدل قدرتها 75 واط، وإذا استبدلنا بها لمبات توفير طاقة، فإن هذا سيحقق وفراً قدره 180 دولاراً سنوياً.
لعل الأمر يتطلب قراراً حكومياً حازماً يمنع استيراد اللمبات المتوهجة أو يفرض عليها جمارك عالية. وقد سبقتنا دول أخرى إلى هذا الأجراء، فاستراليا مثلاً قررت وقف بيع اللمبات المتوهجة ابتداء من عام 2024، كما طرح في برلمان ولاية كليفورنيا الأمريكية اقتراح بمنع بيعها اعتباراً من عام 2024. ولا شك أن المستقبل القريب سيشهد توجها متزايداً لدى دول العالم للتخلص من هذا التراث المزعج والمكلف للمبات أديسون.


سبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.